فصل: عقيدة تأليه المسيح بين الرفض والقبول في الأوساط المسيحية عبر التاريخ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد كان «الرب» مسلوب القوة والإرادة:
«وَأَنَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِي، بَلْ أَحْكُمُ حَسْبَمَا أَسْمَعُ، وَحُكْمِي عَادِل ٌ، لأَنِّي لاَ أَسْعَى لِتَحْقِيقِ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَةِ الَّذِي أَرْسَلَنِي». (يوحنا: 5: 30).
لقد كان «الرب» يجهل الوقت:
«وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ، إِلاَّ الآبُ».
(مرقس 13: 32).
«الرب» يجهل مواسم المحاصيل:
«وَفِي الْغَدِ، بَعْدَمَا غَادَرُوا بَيْتَ عَنْيَا، جَاعَ. 13وَإِذْ رَأَى مِنْ بَعِيدٍ شَجَرَةَ تِينٍ مُورِقَةً، تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا بَعْضَ الثَّمَرِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا إِلاَّ الْوَرَقَ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَوَانُ التِّينِ. 14فَتَكَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: «لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ ثَمَرًا مِنْكِ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!» وَسَمِعَ تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ». (مرقس 11: 12).
«الرب» تعلم من خلال التجربة:
«مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به». (الرسالة للعبرانيين 5: 8).
الشيطان يجرب «الرب» أربعين يوما:
«وَفِي الْحَالِ اقْتَادَ الرُّوحُ يَسُوعَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَقَضَى فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّيْطَانُ يُجَرِّبُهُ. وَكَانَ بَيْنَ الْوُحُوشِ وَمَلاَئِكَةٌ تَخْدُمُهُ». (مرقس 1: 12).
الشيطان جرب «الرب» أكثر من مرة:
«ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين». (لوقا 4: 13).
«الرب» يتوب ويندم ويعترف قبل بدء خدمته العلنية:
«حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد عنده». (متي 3: 13).
«الرب» جاء لليهود فقط:
«فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة». (متي 15: 24).
مملكة «الرب»:
«ويملك على بيت يعقوب للأبد ولا يكون لملكه نهاية». (لوقا 1: 33).
غير اليهود في نظر «الرب» كلاب!:
«فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب». (متي 15: 26).
«الرب» يجوع:
(وَبَعْدَمَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا،). (متي 4: 2)، «وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَاعَ» (متي 21: 18).
«الرب» ينام:
«وكان هو نائما». (متي 8: 24)، «وفيما هم سائرون نام».
(لوقا 8: 23)، «وكان هو المؤخرة على وسادة نائما».(مرقس 4: 38).
«الرب» يتعب:
«وكان هناك بئر يعقوب فإذا كان يسوع قد تعب في السفر جلس هكذا على البئر». (يوحنا 4: 6).
«الرب» ينزعج ويضطرب:
«انزعج- عيسى- بالروح واضطرب». (يوحنا 11: 33)، «فانزعج يسوع في نفسه». (11: 38).
«الرب» يبكي:
«بكى يسوع». (يوحنا 11: 35).
«الرب» يحزن ويكتئب:
«ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب». (متي 26: 37)، «فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت». (متي 26: 38).
«الرب» يندهش ويهرع:
«وابتدأ يدهش ويكتئب وقال لهم نفسي حزينة حتى الموت». (مرقس 14: 33).
«الرب» ضعيف:
«فظهر له ملاك في السماء يقويه» (لوقا 22: 43).
«الرب» مذهول من الذعر:
«وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه». (يوحنا 7: 11).
«الرب» كان يمشي خائفا من اليهود:
«فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه فلم يكن يسوع أيضا يمشي بين اليهود علانية». (يوحنا 11: 53).
«الرب» يفر ويهرب:
«فطلبوا أيضا ان يمسكوه فخرج من أيديهم» (يوحنا 10: 39).
«الرب» يخرج متخفيا من اليهود:
«أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل في وسطهم مجتازا ومضى هكذا». (يوحنا 8: 59).
قبض على «الرب» وأوثقت يديه ومضي به:
«قبضوا على يسوع وأوثقوه ومضوا به». (يوحنا 12: 13).
«الرب» يهان ويضرب:
«والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه وغطوه وكانوا يضربون وجهه». (لوقا 22: 63)، «وحينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه». (متي 26: 67).
ونحن نسأل:
هل ينزل رب العالمين من عليائه ويحل في جسد بشري وأن هذا الجسد يساق من قبل اليهود ليحاكم ويلاقي أشد أنواع الإهانة والتحقير من ضرب وجلد وبصق واستهزاء كل هذا ورب العالمين مالك الملك في هذا الجسد حسبما يؤمن المسيحيون؟!
هل يليق بخالق السموات والأرض ومن له الكمال المطلق أن تكون هذه حاله؟!
سبحانك ربنا لا إله إلا أنت نستغفرك، ونتوب إليك، ونعتذر لك عن كل ما لا يليق بك.

.الخلاصة:

طبقا لما سقناه سالفًا من الاقتباسات التي أخذناها من الأناجيل، نستخلص إلى أن المسيح ليس مشتركًا مع الله في طبيعته ولم يكن من أي وجهة هو الله، وبناء على ذلك فإن المسيح ليس هو الله ولم يدعي الألوهية قط. أما ادعاء المسيحيين بأن المسيح هو الله فعليهم ان يقدموا الدليل المنطقي المقنع والنص الصريح القاطع، أو أن يعترفوا بأنه كفار، لأنهم جعلوا المخلوق خالقًا وعبدوه.

.عقيدة تأليه المسيح بين الرفض والقبول في الأوساط المسيحية عبر التاريخ:

يعترف جُلُّ المؤرخين المسيحيين، أن هذا الاعتقاد بإلهية المسيح لم يصبح عقيدة مستقرة وسائدة بين المسيحيين إلا بعد انقضاء عهد الحواريين وعهد التلاميذ الأوائل للمسيح عليه السلام، أي بعد انقضاء قرن على الأقل على انتقال المسيح ورفعه، أما قبل ذلك، أي في القرن الأول لبعثة المسيح، فكانت مذاهب الناس في المسيح لا تزال متشعبة، فغالبية اليهود المعاصرين له أبغضوه وأنكروا رسالته من الأساس واعتبروه ساحرا ودجالا- حاشاه من ذلك- وصرفوا جهودهم لمحاربة أتباعه والقضاء على دعوته، وفي المقابل آمن به عدد من يهود فلسطين ممن تجرد لله تعالى وكان تقيا مخلصا، ورأوا فيه المسيح المبشر به في الكتب المقدسة السابقة، ومن هؤلاء الحواريون، الذين تدل كتاباتهم ورسائلهم أنهم كانوا يرون في المسيح نبيا بشرا، ورجلا أيده الله تعالى بالمعجزات الباهرة ليرد الناس إلى صراط الله الذي ضلوا عنه وابتعدوا عنه، وليعلن بشارة الله تعالى بالرحمة والغفران والرضوان للمؤمنين التائبين... كما وجد في ذلك القرن الأول وما بعده يهود تشبعوا بأفكار الفلسفة اليونانية سيما الأفلاطونية الحديثة منها وتشربت بها قلوبهم فنظروا للمسيح ولارتباطه بالله عز وجل بمنظار ما كانوا مشبعين به من تلك الفلسفة حول الإلهيات، وما تعلمه حول «اللوجوس» أي العقل الكلي الذي ترى فيه أول ما فاض عن المبدأ الأول- أي الله- فاللوجوس هو الوسيط بين الله في وحدته وبساطته المتناهية وبين العالم المتكثر، وبه وفيه خلق الله العالم والكائنات... فطابقوا بين المسيح واللوجوس، وكل هؤلاء كانوا يرون المسيح مخلوقًا لِلَّه، فلم يقولوا بإلهية المسيح ولا ساووه مع الآب في الجوهر.
وأخيرا كان هناك المؤمنون الجدد من الأمميين «الوثنيين» وغالبهم آمن بدعوة التلاميذ بعد رحلة المسيح، وهؤلاء كانوا متشبعين بثقافة عصرهم الوثنية الهيلينية التي تنظر للعظماء من أباطرة أو قادة فاتحين أو فلاسفة عظام، على أنهم أنصاف آلهة أو أبناء آلهة هبطت لعالم الدنيا وتجسدت، لخلاص بني الإنسان وهدايتهم... فصار كثير منهم ينظرون لشخصية المسيح بنفس المنظار، خاصة أنه كان يعبر عن المسيح في لغة الأناجيل بابن الله، فأخذوا البنوة على معناها الحرفي لوجود نظير لذلك في ثقافتهم الوثنية، ورأوا فيه ابن الله الحقيقي الذي كان إلها فتجسد ونزل لعالم البشر لخلاصهم... ولاقت هذه العقيدة رواجا لدى العوام الذين يعجبون بالغلو في رفع مقام من يقدسونه ويؤمنون به ويرون ذلك من كمال الإيمان به والمحبة له، وقد لعبت عدة عوامل سياسية وثقافية واجتماعية وحتى لغوية- ليس هنا موضع بسطها- لصالح الاتجاه الوثني الأخير في النظر لشخصية المسيح، فساد وانتشر، وشيئا فشيئا صار هو الأصل وصارت مخالفته هرطقة وخيانة لحقيقة المسيح، وصار الموحدون، أي الأتباع الحقيقيون للمسيح، فئات ضئيلة عرضة للاضطهاد، يُنْظَر إليها على أنها مبتدعة ضالة!
لكن هذا لا يعني أن الموحدين انتهوا تماما، بل إن التاريخ والوثائق تثبت أنه وجدت ولا تزال، في كل عصر من عصور تاريخ المسيحية وحتى يومنا هذا، أعداد غير قليلة من علماء النصارى وعامتهم ممن أنكر تأليه المسيح ورفض عقيدة التجسد والتثليث مؤكدا تفرد الله الآب لوحده بالألوهية والربوبية والأزلية، وأن المسيح مهما علا شأنه يبقى حادثا مخلوقا، هذا وقد حظي أولئك الأساقفة أو البطارقة الموحدون بآلاف بل عشرات آلاف الأتباع والمقلدين، وليس هاهنا مجال لذكر واستقصاء أسماء كل من نقله التاريخ لنا من أولئك الموحدين الأعلام، ومن رام الإطلاع المفصَّل على ذلك فعليه بالكتاب القيِّم المسمى: «عيسى يبشِّر بالإسلام» للبروفيسور الهندي الدكتور محمد عطاء الرحيم، والذي ترجمه إلى العربية الدكتور «الأردني» فهمي الشما، فقد ذكر فيه مؤلفه الفرق النصرانية الموحدة القديمة وتحدث في فصل كامل عن أعلام الموحدين في النصرانية، استوعب فيها أسماءهم وتراجمهم وكتاباتهم ودلائلهم على التوحيد وأحوالهم وما لاقوه من اضطهاد ومحاربة في سبيل عقيدتهم، ونكتفي هنا بإشارة سريعة لأسماء أشهر الفرق والشخصيات النصرانية الموحدة البارزة عبر التاريخ: فقد ذكرت المراجع التاريخية النصرانية، التي تتحدث عن تاريخ الكنيسة، أسماء عدة فرق في القرون المسيحية الثلاثة الأولى كانت تنكر التثليث والتجسد وتأليه المسيح وهي: فرقة الأبيونيين، وفرقة الكارينثيانيين، وفرقة الباسيليديين وفرقة الكاربوقراطيين، فرقة الهيبسيستاريين، وفرقة الغنوصيين.و أما أشهر القساوسة والشخصيات المسيحية الموحدة القديمة التي تذكرها تلك المصادر فهي:
ديودوروس أسقف طرطوس.
بولس الشمشاطي، وكان بطريركا في أنطاكية ووافقه على مذهبه التوحيدي الخالص كثيرون وعرفوا بالفرقة البوليقانية.
الأسقف لوسيان الأنطاكي أستاذ آريوس «توفي سنة 312 م».
آريوس أسقف كنيسة بوكاليس في الإسكندرية «250- 336 م». وقد صار له ألوف الأتباع عرفوا بالآريوسيين وبقي مذهبهم التوحيدي حيا لفترات زمنية طويلة وصار آريوس علما للتوحيد حتى أن كل من جاء بعده إلى يومنا هذا وأنكر التثليث وإلهية المسيح، يصمه رجال الكنيسة الرسميون بأنه آريوسي!!.